ان القلق حالة وجدانية تتميز بالشعور بالإنزعاج وبإنشغال البال، وبعدم الرضا بالوضع الراهن وبعدم الأمان، و الإطمئنان وتوقع خطر مجهول يكون الفرد عاجز عن مواجهته، فلقد حاول العلماء و الباحثين طرح العديد من النظريات المفسرة للقلق، و إختلفت في تفسيره و شرحه إختلافا واضحا فيما بينها، و من بين اهم النظريات المفسرة للقلق ما يلي :

النظريات المفسرة للقلق
اليك عدة نظريات علم النفس التي حاولت تفسير القلق عند الانسان و هي كما يلي:
1. نظرية التفسير الحيوي للقلق
يؤكد على دور الجهاز العصبي المركزي، فقد يكون القلق ردة الفعل غير المتعلمة والتي تنشط من خلال اختلال الوظيفة البيوكيمائية للدماغ كما في حالة اضطراب الهلع ،في حين أن الصور الأخرى للقلق تكون متعلمة.
وهناك بعض الدراسات كما وردت في اولنمس ولومس التي تشير إلى اثر العامل الوراثي للاضطراب، كما في اضطراب الفزع والرهاب، أما تأثيرات البيئة المحيطة فتبدو أعظم في حالات المخاوف المرضية المحددة . (1)
إن هده تفسر في ضوء المثيرات والعوامل الوراثية والهرمونية والعصبية الحيوية وما شابه ذلك.
لقد تم تصور في الماضي أن القلق لا علاقة له بالوراثة والهرمونات على الإضطرابات العقلية، ولكن تبين قصور ذلك التصور في أواخر العقد المنصرم وأوائل الألفية الثالثة، حيث تبين تأثير الوراثة حتى في الإضطرابات النفسية و العصابية. فمثلا الام أو الأب القلق لابد وأن ينجبا طفلا قلقا بالوراثة قد لا تظهر عليه أعراض القلق مبكرا
ولكن عند مواجهته لضغوط بكثافة معينة ما تظهر عليه أعراض بفعل الوراثة الجينية وبفعل ما يمكن تسميته بالوراثة النفسية الناجمة عن معايشة أباء وأمهات يعانون من القلق ، وهذا ما تؤكده دراسة بريتشارد وآخرين والتي تشير إلى تأثر القلق بالإضطرابات الهرمونية، كما توضح تأثر القلق بإضطراب نشاط المواصلات العصبية. (2)
2. تفسير نظريات التحليل النفسي للقلق
يمثل القلق احد المفاهيم الرئيسية في المدرسة التحليلية، ويعرف التحليليون القلق على إنه حالة من التوترتدفعنا إلى عمل شيء ما، تتطور هذه الحالة من خلال الصراع بين الهو والأنا الأعلى في محاولة كل منهما السيطرة على الطاقة النفسية المتوفرة.
ويمكن تصنيف القلق بحسب هذه النظرية إلى:
القلق الواقعي وهو الخوف من خطر خارجي ومستوى هذا الفلق يتناسب مع درجة التهديد الخارجي وهو ما تعانيه عينة الدراسة الحالية.
القلق العصابي والقلق الأخلاقي والذين يثاران عن طريق التهديدات الراجعة الميزان القوى داخل الفرد، حيث يبعث هذان النوعان إشارة إلى الأنا مفادها بأنه إذا لم باخذ الأنا خطوات ضرورية، فإن الخطر سوف يزداد . (1)
و يعد فروید من الأوائل علماء النفس الذين حللوا القلق، وقد رأى في القلق إشارة للانا لكي يقوم بعمل اللازم ضد ما يهددها وكثيرا ما يكون المهدد هو الرغبات المكبوتة في اللاشعور وهنا إما أن تقوم الأنا بعمل نشاط معين يساعدها في الدفاع عن نفسها وإبعاد ما يهددها، وإما أن يستفحل القلق حتى تقع الأنا فريسة المرض النفسي .
أما الفرويديين الجدد فقد أرجعوا القلق لأسباب مختلفة ومنهم بحد أدلر الذي يرى أن مصدر القلق يكمن في خطر الشعور بالنقص وعدم القدرة على تعويضه.
أما كارین هورني فترى أن القلق هو شعور الطفل بالوحدة والعزلة وقلة الحيلة في عالم حافل بالعداوة ، وترى أنه عندما يكون لدى الأم التوتر و القلق سینعکس أثارهما على الجنين كون أن القلق ينتقل من الارتباط العاطفي بين الأم والجنين . (2)
3. النظريات السلوكية المفسرة للقلق
يرى أصحاب هذه المدرسة أن القلق المرضي ناتج عن القلق العادي كالمرافق التي ليس فيها إشباع حيث يتعرض الفرد للخوف أو التهديد ولا يصاحبها تكيف ناجح فتترتب عن ذلك مثيرات إنفعالية من أهمها عدم الارتياح الإنفعالي، ويصاحبه من توتر، عدم الإستقرار وعدم الارتياح، أو من جهة أخرى إفراط
الوالدين في حماية الطفل قد يعرضه للشعور بالخطر عندما يواجه العالم الخارجي، وأكد أصحاب هذه المدرسة على العوامل الإستعدادية التي تتمثل في الوراثة والضغط العام في الجهاز العصبي والشذوذ في التركيب العضوي لبعض أعضاء في الجسم.
كما أن القلق عند السلوكيون لا يمكن أن تكون له وظيفة المثير، وإنما هو إستجابة متعلمة وفقا لقواعد
التعلم الشرطي الذي تخضع له كافة إستجابات وعادات الإنسان، كما أنهم يطابقون بين إستجابة القلق وإستجابة الخوف والفرق الوحيد هو المثير الذي يكون طبيعيا في حالة الخوف وشرطيا في حالة القلق. كما أنه فسرت نظرية التعلم الإجتماعي القلق على أساس التعلم من مواقف معينة إذ يشترط الإقتران بمثيرات معينة كي يحدث القلق .
وقد برهن بندور ” bendura ” وغيره من الباحثين الذين يشتركون معه في الأبحاث أن أحكام الأفراد عن قدراتهم الذاتية في السيطرة عن المواقف والتعامل معها ، تؤثر إلى حد بعيد على سلوكاتهم في كثير من المواقف المتنوعة والمختلفة من مواجهة المشاكل .(2)
و قد اعطت نظريات التعلم تفسيرات مقبولة للقلق عن طريق الإشراط الكلاسيكي مثل حالات الرهاب، لكنها لم تعطي تفسيرة لحالات اضطراب الفزع (Panic Disorder) وحالة القلق المعمم.
و اعتبرت القلق منعكسا شرطيا نحو المنبهات المؤلمة او الخطرة فمثلا إذا تعرض شخص إلى حيوان مخيف كلما فتح باب المنزل، فإنه سوف يخاف من فتح باب المنزل حتى لو لم يتعرض للحيوان.
فاقتران الخوف مثلا بمثير محايد وهو باب المنزل التواجد أثناء الخبرة المؤلمة هو ما جعل الشخص يخاف من فتح الأبواب . (1)
4. تفسير النظرية المعرفية للقلق
أن هذه النظرية تركز في تفسيرها للقلق بإعتبار أن الفرد يسبق المواقف بأنماط من التفكير الخاطئ أو المشوه السلبي، المبالغ في تقدير خطورة المواقف وبالتالي يميل الفرد إلى التقليل من قدرة على مواجهة هذه المواقف .
أما “بيك” ((Beck) صاحب النظرية المعرفية يرى أن الإضطرابات السيكولوجية الإنفعالية للفرد کالاكتئاب والقلق والشعور بالذنب إلى آخره… مرجعها الأفكار الغير عقلانية والخاطئة .
فهو يعطي الأولوية للأفكار (الأولوية المعرفية) ويوضح أن العمليات المعرفية المختلفة هي بمثابة نتيجة
أساسية لتجربة الفرد وللنظرة المحيطة له، فهو يكتسب التفكير المضطرب من حلال أول تجربة له في حياته، ومن خلال فشله في تجربة معينة فإن الخلل على المستوى المعرفي يؤدي إلى ظهور الإضطرابات النفسية مثل القلق. (2)
5. تفسيرالنظرية السلوكية المعرفية للقلق
إن المبالغة والتهويل في تفسير الفرد لإحساساته الجسمية العادية كالزيادة في ضربات القلب وسرعة التنفس تؤدي إلى إحساس الفرد بأنه في خطر حقيقي قد يؤدي إلى موته إذا لم يتعامل معه بجدية.
حيث يفسر الشخص زيادة ضربات قلبه بأنها ازمة قلبية، مما يؤدي إلى زيادة الإحساس بالأعراض السلبية المصدر(1) .
6. النظرية الإنسانية و لقلق
بالنسبة لهده النظرية فان القلق ليس مجرد خبرة انفعالية يمر بها الإنسان تحت ظروف خاصة ، وليس مجرد إستجابة يكتسبها أثناء عملية التعلم، وإنما القلق هو جوهر طبيعية النفس الإنسانية، فالإنسان هو الكائن الحي الوحيد الذي يستشعر القلق ويعانيه كخيرة يومية مستمرة تبدأ ببداية حياته ولا تنتهي إلا من أخر أنفاسه الحية.
ويرى أصحاب المذهب الإنساني أن القلق هو خوف من المستقبل وما قد يحمله هذا المستقبل من أحداث قد تهدد وجود الإنسان أو تحدد إنسانيته، فالقلق ينشأ مما يتوقع الإنسان هو الكائن الحي الوحيد الذي يدرك ان غايته حتمية ، و ان الموت قد يحدث في اية لحظة و ان توقع الموت هو المثير الاساسي للقلق عند الانسان . (2)
7. نظرية القلق الحالة والسمة
يفرق سبيلبرجر وآخرون في هذه النظرية بين جانبين من القلق .
أ. حالة القلق
يشير سبيلبرجر إلى القلق كحالة انفعالية طارئة وقتية في حالة الكائن الحي ، وتتذبذب من وقت لأخر ويزول بزوال المثيرات التي تبعثه ، وهي حالة يتسم بها الفرد داخليا وذلك لمشاعر التوتر والخطر المدركة شعوريا والتي تزيد من نشاط الكائن للجهاز العصبي الذاتي فتظهر علامات حالة القلق وتختلف حالات القلق هذه في شدتها وتقلبها معظم الوقت .
أن حالة القلق هي حالة إنفعالية ذاتية تبعا للموقف المهدد ، مؤقتة أقرب ما تكون إلى الخوف الطبيعي إذ تؤدي إلى تنشيط في الجهاز العصبي المستقل والتهيئة لمواجهة مصدر التهديد ، وتختلف هذه الحالة تبعا لما يدركه الفرد من تقدير لدرجة خطورة الموقف المهدد وتزول بزوال المصدر.
يرى جولد نبيرج (Goldenberge) بأن حالة القلق هي حالة مؤقتة تحدث لموقف ما وتتفاوت هذه الحالة تبعا لشدة ذلك الموقف أو المثير لتحدث حالة من التوتر والخشية ويرافق ذلك ردود أفعال فسيولوجية .
أن حالة القلق أنها إحساس بالتوتر والخوف الذي يشعر به الفرد بإستمرار أنها يمكن أن تكون حالة إنفعالية مؤقتة تختلف من لحظة الأخرى وتزول بزوال مصدر التأثير
ب. سمة القلق
أشار سيبلبرجر إلى أن القلق سمة ثابتة نسبيا للشخصية ، كما تشير إلى الإختلافات الفردية في القابلية للإصابة بالقلق، والتي ترجع إلى الإختلافات الموجودة بين الأفراد في إستعدادهم الإستجابة للمواقف المدركة ، كمواقف تهديدية بإرتفاع حالة القلق، ووفقا لما إكتسبه كل فرد في طفولته من خبرات سابقة .
وسمة القلق إستعداد طبیعی وإتجاه سلوکی يجعل الفرد قلقا ويجعله يركز بصورة أساسية على الخبرة الماضية بينما حالة القلق موقفي بطبيعته وتعتمد بصورة أساسية ومباشرة على الظروف الضاغطة .
أن سمة القلق لا تظهر مباشرة في سلوك الشخص بل يمكن استنتاجها من خلال تكرار إرتفاع حالة القلق وشدتها لدى الفرد عبر الزمن .
أما ماثيوس ودیری Matthews and Deary فعندهم سمة القلق تشير إلى استقرار السلوك وأن هناك علاقة ارتباطیه موجبة بين الاثنين (الحالة والسمة) أما الأشخاص الذين لديهم سمة قلق عالية يميلون إلى حالة قلق أعلى مما لدي الأشخاص ذوي سمة القلق المنخفضة.
أن سمة القلق عند كل من كاتل وسبيلرجر هو إستعداد سلوکی مكتسب يكمن داخل الفرد تنشطه منبهات داخلية أو خارجية ، وهذا الإستعداد السلوكي معظمه مكتسب ومستمده أصوله غالبا من خبرات طفولية ذات ثبوت نسبی کامن في شخصية الإنسان (3)

8. نظرية التعلم و القلق
تعتبر نهذه النظرية أن القلق وخوف مرتبط بالمحفز الخاطىء . فنحن نتعلم أن نخاف من الشيء الخطأ أو نتفاعل بشكل غير ملائم في مواقف معينة ويصبح الأمر عادة. وكلما فعلنا هذا أكثر تعودنا عليه أكثر، فعلى سبيل المثال، تنتج نوبات الذعر والمخاوف حلقة | مفرغة تبقيها مستمرة على الدوام (4) .
9. النظرية البيوكيميائية للقلق
يفرز الجسم مواد كيميائية معينة ( هرمونات) كردة فعل على الخوف ،ويعود سبب معظم الأعراض الناتجة عن ردة الفعل هذه إلى تأثير هذه الهرمونات وهي الأدرينالين (إبينفرين) و نورادرينالين (نورابينفرين من عائلة الأدرينالين) في الجسم
في حالة القلق – الخوف طويل الأمد – تتأثر مواد كيميائية معينة في الدماغ. وتتضمن هذه المواد السيروتونين وحامض الغاماأمينوبوتيريك (GABA). وأما السيروتونين فهو مكون معروف لأنه يمارس دورا مهما في الاكتئاب ، ولحامض الغاما – أمينوبوتيريك دور مهم في المساعدة على الاسترخاء.
فإذا كنت تعاني من مشكلة قلق فمن الممكن أن يكون التوازن بين المواد الكيميائية في الدماغ، أي تلك المواد المهمة في الاستجابة للخوف قد تعرضت لتعكر ما ، وينتج عن ذلك مبالغة في الاستجابة.
ومن غير المعروف السبب الذي يدفع المواد الكيميائية للدماغ للوصول إلى معدلات مختلفة تدفع الأشخاص الذين يعانون من مشاكل القلق إلى التصرف بشكل مختلف.
ويعتقد بعض العلماء أن الاختلاف في الاستجابة للخوف قد يكون نتيجة ضعف جيني تطلقه صدمة ما، كما يعتقد آخرون أن التغيرات التي يراها العلماء في المواد الكيميائية للدماغ هي نتيجة القلق، بدلا من كونها سببا له (4) .
10. تفسير النظريات الوجدانية للقلق
بدا الحديث عن القلق مع بداية ظهور الفلسفة الوجدانية يقول (كيركيجارد) احد مؤسسي هذه الفلسفة ( إن الاختبار يجر إلى المخاطرة والمخاطرة بطبعها تؤدي إلى القلق ، وقلق على الإمكانيات العامة وقلق من الوجه الذي اختاره الإنسان ) فهذا القلق شبيه بالدوار الذي يصيب الإنسان حتما ينظر في الهاوية.
ولقد بقى القلق موضوعا أساسيا لدى جميع الفلاسفة الوجوديين على اعتبار انه جزء من الحياة ، كما استمر الاهتمام لدى عالم النفس الوجودي (ولومي) أحد أهم رواد هذا الاتجاه في الولايات المتحدة الأمريكية .
ويعتقد (ولومي) إن الاضطراب وسيلة غير سوية يسعى الفرد من خلالها للحفاظ على إحساسه بوجوده في ظروف يكون الإحساس بالوجود فيها بالشكل السوي معاقا ، ويرى إن القلق جزء من وجود الإنسان والقلق ليس خوفا من شئ موضوعي بل يعبر عن شعورا غامضا وخوفا عاما من مهددات الوجود ،ويرى إن درجة القلق يمكن إن تتدرج من الدرجات المقبولة إلى الشديدة المعوقة للنمو وقد يدفع الفرد لكتابتها أو تجاهلها لتحقيق الاستقرار إلا إن هذا لا يتحقق إلا بقبول المهددات المثيرة للقلق أصلا كجزء من الوجود هذا يساعدنا على قبولنا لحياتنا واستغلالها بفاعلية .
ويعتقد إن فقدان القيم من أهم مشكلات الإنسان الناتجة عن سيطرة الحياة المادية التي أدت إلى اضطهاد وجودنا حيث تدفع إلى فقدان الإحساس بالوجود بنماذجه المختلفة (الوجود في العلم المادي ، والوجود في العلم الاجتماعي ، والوجود في العلم الذاتي ) حيث يتمثل في الموازنة بين الإحساس بالوجود في هذه النماذج مما يعني غلبة إحساسه بالوجود في احدها فقد يهمل العالم المادي والاجتماعي ويتمركز حول ذاته على وجوده في العالم المادي مما يعني النظرة السطحية لذاته وللمجتمع هذا فقدان للإحساس بالوجود يؤدي بالفرد إلى العجز والذنب .
ويرى (مي) إن الحل هو قبوله كجزء من وجودنا واستغلاله كدافع للتحقيق الهدف الايجابي وهو التكامل بين نماذج الوجود ، أو لخلق التكامل بين جوانبه .ويذهب (فران كل ) إلى أن القلق الوجودي يكمن وراء القلق العصبي والقلق الوجودي (هو الخوف من الموت وفي نفس الوقت الخوف من الحياة ككل ) أنه ناتج عن ضمير يشعر بالذنب اتجاه الحياة أو الإحساس بعدم تحقيق الشخص إمكانياته القيمة
كما يرى أن القلق ازداد كثافة في عصرنا الحاضر وفي هذه الثقافة التنافسية في مجتمعنا والاغتراب والعزلة الشخصية .
11. تفسير النظرية النفسية الدينية للقلق
ترى هذه المدرسة ان القلق يرجع إلى الخطيئة ( ذنب – إثم ) إي إلى الشعور بارتكاب خطا انتهاك الشخص فيه مبادئ الخلق والدين ،إن هذا الشعور يبدو في صورة الشعور بالقيمة والاستحقاق وان هذا الشعور يهدد الأنا الخلقية ، الأمر الذي يجعل صاحبه يعيش في قلق دائم مستمر .
و يعرف كيركيجارد القلق ” انه انفعال فطري مغروس في الإنسان منذ بدء الخليفة ” .
كما ذهب إلى إن القلق يؤدي إلى الخطيئة وان الخطيئة تؤدي للقلق ولا يمكن التغلب على ذلك إلا عن طريق الإيمان بالله (5).
11. نظرية فرويد في القلق
وهذه النظرية تفيد بان طبيعة الإنسان قد هيأت إمكانية كبت التجارب النفسية المكبوتة المؤلمة وعملية الكبت هذه، في نظر فرويد هي سنوات الطفوله.
وقد أكد فرويد على أن المواد المكبوتة هي الرغبات الجنسية الفاشلة في حياة الطفل لتعارضها مع القيود التي تمنع تحقيقها والهدف من عملية الكبت هذه هو الشعور بالقلق الناتج عن بقاء الرغبة والمانع لها في الوعي (الشعور).
ويرى فرويد أيضا أن القلق هو عبارة عن خوف داخلي وان إحساس الفرد للخوف ماهو الا إشارة أو إنذار للنفس، بأن التجربة المكبوتة غير الواعية قد أصبحت في دائرة الوعي أو الشعور، مهددة بذلك التكامل النفسي للفرد وهو التهيؤ للخطر بأعداد النفس المقاومة الحالة الطارئة من التهديد والخطر وبالنظر لما لاقاه فرويد من معارضة بسبب تأكيده على الحياة الجنسية في الطفولة كمحور لنشوء القلق، فقد عدل نظريته سنة 1894 .
وجاء بنظرية ثانية بعد ثلاثين سنة وفي هذه النظرية الثانية يرى فرويد إن القلق هو إنذار لتجنب حالة تهدد الإنسان أو النفس بالخطر مهما كان مصدر هذا القلق ومع هذا التعديل فقد ظل فرويد واتباعه يعلقون أهمية كبرى على الحياة الجنسية في الطفولة في التحليل النفسي والعلاج النفسي على حد سواء.
ومن النظريات المتطرفة في منشا القلق، نظرية جاء بها بعض اتباع فرويد وفيها يؤكدون على اهمية عملية الولادة اثناء نزول الطفل حتى ظهوره ويرون ان هذه التجربة الولادية هي الاساس لانفعالات القلق في المستقبل، وحجتهم في ذلك ان الانفعالات الفيزيولوجية التي تحدث اثناء الولادة هي نفسها الانفعالات الفزيولوجية التي تصاحب حالة القلق في سن اكبر
لاحظ فرويد ان القلق كثيرا ما يصاحب الحالات الهستيرية، فاعتقد أن وراء الهستيريا عملية نفسية هي غالبا تكون جنسية، وقد كبتت هذه العملية فتحولت الحالة الوجدانية المصاحبة لها الى قلق حتى مخاوف الصغار والكبار ترجع جميعها الى رغبة غريزية (ليبيدية) لم يتمكن الفرد من اشباعها، وكذلك العصاب القهري ما هو الا اعراض مرضية تخفي وراءها مشاعر القلق الذي نشأ بسبب كبت الدوافع الجنسية.
إقرا المزيد حول تعريف القلق عند فرويد
12. نظرية العالم النفساني أوتورانك و القلق
يعتقد العالم النفساني أوتو رانك otto RANK أن الإنسان يشعر في جميع مراحل نمو شخصيته بخبرات متتالية من الانفعال وميلاد الطفل هو أول وأهم خبرة للانفصال تمر بالإنسان اذ تسبب له صدمة مؤلمة وتثير فيه قلقا شديدا، واطلق على هذا النوع من القلق الذي تثيره صدمة الولادة بالقلق الاولي وفسر رانك جميع حالات القلق على اساس القلق الأولي هذا، فهو لم يعتبر قلق الولادة نموذجا تنشأ على نسقه حالات القلق، وانما اعتبر قلق الولادة المصدر الذي تنشأ عنه حالات القلق التالية وكما اعتبر رانك الانفصال عن الأم هو الصدمة الاولى التي يتعرض لها الطفل فانه اعتبر كذلك جميع حالات الانفصال التالية مثيرة للصدمة، فالفطام مثلا يتضمن انفصال الطفل عن ثدي الام هو يسبب صدمة للطفل لانه شبيه بحالة الانفصال الأولى، والذهاب للمدرسة يثير القلق لأنه يتضمن انفصالا عن المنزل، والزواج يثير القلق لأنه يتضمن انفصالا ووداعا عن حياة الوحدة ، فالقلق هو الخوف الذي تتضمنه هذه الانفصالات المختلفة.
والجدير بالذكر ان فرويد قد انتقد رانك على اساس ان الطفل اثناء الولادة لا يكون مدركا لانفصاله عن امه ولهذا لايمكن ان يكون الانفصال عاملا رئيسا في حالة القلق الاصلية، بل ان الاحساسات الجسدية المؤلمة التي يتعرض لها الطفل اثناء الميلادهي العامل الاساسي في قلق الميلاد الا ان فرويد لم ينكر اهمية الانفصال عن الام فيما بعد كعامل هام في اثارة القلق عند الطفل في الحالات التي يفتقد فيها أمه، ولكن القلق الذي يشعر به الطفل في هذه الحالات انما يعود في مفهوم فرويد الى شعور الطفل بالعجز أمام التنبيه الصادر عن حاجاته التي تريد الإشباع، وعن شدة الشوق لأمه
13. نظرية القلق والعالمة النفسية “هورناي”
تذهب كارن هورناي الى ان هناك نوعا من القلق الأساسي الذي يتعلق بعجز الطفل عندما يتعامل مع عالم عدواني وغير عادل وغير متقبل له، ومع بيئة تعطل استخدامه وتشل حركته وطاقاته وتقف حائلا دون تنفيذ أهدافه، والظروف التي تقف عقبة في طريق تحقيق حرية الطفل في النمو لاتحدث لمجرد الكبار من حول سيئون أو قساة أو يضمرون له الشر.
فقد تحدث هذه الظروف لأن هؤلاء الأشخاص يكونون مشغولين بمشكلاتهم وقلقهم الخاص لدرجة أنه لا تصبح لديهم الحرية الداخلية لملاحظاته أو تقبله أو تشجيعه وذلك رغم حبهم الشديد له والطفل الذي تحيط به مثل هذه الظروف محبط نفسيا ، الا انه من الخطر عليه أن يظهر غضب صراحة أو أن يدافع عن ذاته، ولذلك يكون دفاعات ذاتية معينة يحاول بواسطتها مواجهة الاستجابة الداخلية للتهديدات الواقعة عليه من الخارج.
وتذكر هورناي ثلاثة اتجاهات رئيسية قد تأخذها هذه الدفاعات كما أنها توضح أنه من النادر أن تظهر في صورة خالصة، فنفس الشخص يستخدم دفاعات مختلفة تحت ظروف مختلفة وهذه الوسائل هي موجهات للسلوك وليست في حد ذاتها علامات على الاضطراب قد تكون هناك بعض المشاكل البيئية التي تعوقه هي التي تجعله أن يتجه ضدها، ومثل هذا الشخص يصبح عدوانيا ومنافسا فهو يسعى للسيطرة ومنافسة الآخرين بقصد التفوق عليهم، وكثيرا ما نجد هذا النوع الواضح من الاستخدام العصابي للتفوق العلمي في كافة المدارس، والدفاعات الثانية التي قد يعتمدها الشخص الفاشل في محاولته لتحقيق ذاته عندما لا يستطيع مقاومة الذين يسببون له الفشل وعدم تقدمه وبعد ذلك يحاول الابتعاد والانعزال عن الناس وعن كل العلاقات الاجتماعية، يستسلم احيانا ويقاوم احيانا يتعاون مرة ويتنافس مرة أخرى، حر في حبه وفي كرهه مثال على ذلك انغماس الطالب بين كتبه قد يكون مظهرا من مظاهر إزاحة صراعاته الا اذا كان ما يقوم به شيئا تلقائيا يختاره بارادته.
والدفاعات الثالثة التي قد يكونها الشخص في بيئه عدوانية تعيق دوافعه هي دفاعات الاتجاه نحو الناس. وهذا الشخص يتصف بالخنوع ويتحرك مع الظروف عوضا من مواجهته مثل الشخص العدواني وهو يستسلم عوضا عن ان يكون متفرجا كالشخص الانعزالي والقصد من ذلك هو حماية الذات، وترى العالمة النفسية هورناي ان الدفاعات التي ذكرت والتي تهدف في اساسها إلى حماية الشخص لذاته، وعندما يمارس هذا السلوك ويستمر في استخدام هذه الدفاعات كوسيلة من وسائل الحياة كما لو كانت جزءا أساسيا من طبيعته فانه يدخل في عملية الاغتراب عن نفسه.
وعلى ضوء هذه المعطيات يمكن ايجاز نظريات هورناي في القلق بالتالي:
1- القلق رد فعل انفعالي لخطر ذاتي، ولكن “هورني” تميز القلق عن الخوف والخوف هو رد فعل لخطر خارجي. وهذا العامل الذاتي يتكون من شعور الفرد بتهديد لذاته المثاليه أي ان العوامل النفسية الداخلية هي التي تقوم بخلق الخطر وتعظيمه.
2- تعتقد “هورناي” ان مصدر الخطر يكمن في الدوافع العدوانية، وتعتبر شدة هذه الدوافع اهم مصدر للخطر الذي يثير القلق في الأمراض العصابية.
والخطر الذي يثير القلق يعود الى خوف الفرد من توجيه العدوان الى الأشخاص الذين يعتمد عليهم ويحبهم، لان ذلك يفقده حبهم واحترامهم وعطفهم ولذلك يكبت الشخص دوافعه العدوانية التي تأخذ في الظهور فيما بعد في الخيالات والأحلام وكثيرا ما يفضلها الفرد على أشياء خارجية.
3- إن القلق الذي يسبب العصاب هو قلق أساسي، انه يعتبر أساس العصاب لأنه ينشا في المرحلة الأولى من الحياة نتيجة اضطراب العلاقة بين الطفل ووالديه والشرط الأساسي للطفل هو الحرمان من الحب والعطف، والطفل الذي لا يشعر بالحب والاحترام والتقدير في سنواته الأولى يميل الى الكره والعدوان نحو والديه ونحو الأشخاص الآخرين، ويتوقع الضرر والأذى من كل إنسان.
ويجب ان نتذكر إن الطفل الضعيف يعتمد على والديه في كل شيء، ولذلك لا يستطيع اظهار كرهه وشعوره العدواني نحوهما، وهذا هو الصراع الاساسي الذي يؤدي الى القلق الاساسي في رأي هورناي
4 – هناك نوع من التفاعل بين العدوان والقلق، فالشعور العدواني نحو الوالدين يولد القلق وهذا يؤدي بالتالي الى كبت الشعور العدواني وكبت الشعور هذا يجرد الطفل من مقدرته على إدراك الخطر، كما يجعل الطفل يشعر بالعجز وعدم القدرة على الدفاع وهذا يؤدي الى القلق، فهناك اذن تفاعل بين العدوان والقلق، فكل منهما يقوي ويساعد الآخر.
5 – ان الافراد يكونون أثناء عملية التطبيع الاجتماعي بعض الدفاعات والاتجاهات المعينة نحو الاشخاص الآخرين بحيث تمكنهم من التخلص من القلق وتجلب لهم الأمن والطمانينة، قد يتخذ الفرد دفاعات الخضوع أو دفاعات العدوان أو دفاعات الانسحاب كلها عبارة عن وسائل لتحقيق الأمن والطمانينة في حياته، والاتجاهات العصابية في رأي هورناي هي حيل دفاعية يستخدمها العقل البشري من اجل مصلحة أو منفعة، وان أي شيء من هذا القبيل يهدد الاتجاهات والدفاعات يمكنه أن يثير القلق.
6 – مصدر القلق ليس شيئا معينا كما تقول هورناي بالذات كالدوافع الغريزية في نظرية فرويد بل ان هورناي ترى أن الخطر قد يأتي من عوامل كثيرة خارجية وداخلية.
فاي عامل داخلي سواء كان شعوري أو عدواني يمكن ان يكون مصدر الخطر اذا قام بتهديد الاتجاهات والوسائل التي تهدد ذات الفرد المثالية التي يتوقف عليها شعوره بالامن والامر المهم في نظر هورناي هو الشعور بالأمن وأي شيء يهدد هذا الأمن يثير القلق.
14. نظرية القلق في رأي “اريك فروم”
تعتبر نظرية اريك فروم من نظريات القلق البارزة، فقد سار فروم في نفس الاتجاه التي سارت فيه هورني والعالم النفساني سوليفان في اهتمامه بالعلاقات الاجتماعية واثرها في التطبيع الاجتماعي للطفل.
ويعتقد فروم ان الطفل يقضي فتره طويله من الزمن معتمدا على والدته، وبازدياد نمو الطفل يزداد تحرره من الاعتماد على والديه ويزداد تحرره من القيود التي تربطه بهما، ويطلق فروم على هذه العمليه التفرد، ، الا ان هذه القيود الاوليه والشعور بالاعتماد على الوالدين تعطي الطفل شعورا بالامن وبالانتماء الى الجماعة، ويهدد نمو الشخصية والاتجاه الى الاستقلال بالأمن، مما يولد شعوراً بالعجز والقلق.
وترجع فكرة فروم في ذلك بان جهل الفرد بامكانياته ومسؤلياته يحرره من الخوف، ولكن عندما يصبح الفرد مستقلا فانه يقف بمفرده في مواجهة العالم المملوء بالمخاطر والقوى الخارقة، ويشعر حينذاك بالعجز والقلق ويذهب فروم الى ان بعض الامكانيات الجديدة للطفل قد تقابل بعدم الاستحسان من اب قاس أو من مجتمع خاص في بيئة الطفل.
ويضطر الطفل تحت هذه الظروف الى كبت امكانياته، ويصبح اظهار هذه الامكانيات فيما بعد عاملا مؤديا الى ظهور القلق فقد يشعر الطفل مثلا برغبه فنية معينه كالرسم أو التصوير أو الموسيقى، فاذا عارض الأب هذه الرغبة الفنية اضطر الطفل الى كبتها حفظا للعلاقة الطيبة التي تربطه بوالده وهكذا يرى فروم ان القلق ينشأ عن الصراع بين الحاجة للتقرب من الوالدين وبين الحاجة الى الاستقلال.(6)
قائمة المصادر و المراجع
(1) جاسم محمد عبد الله محمد المرزوقي. الامراض النفسية و علاقتها بمرض العصر السكر . العلم و الايمان للنشر و التوزيع . 2008
(2) دحماني هدى. مدكرة ماستر علم النفس العيادي. جامعة اكلي امحند اولحاج البويرة. 2010.
(3) حمدى او المجد سليمان مفضل. القلق في المنافسات الرياضية.
(4) كوام مكنزي. القلق و نوبات الذعر. دار المؤلف. طبعة الاولى 2013.
(5) باعلي مريم. رحموني كريمة. القلق و الاكتئاب لدى المراة العاملة دراسة ميدانية لقطاع التعليم المتوسط لولاية ادرار. مذكرة شهادة الماستر علم النفس المدرسي. جامعة احمد دراية ادرار. 2021.
(6) رشيد حميد زغير، علم النفس العيادي، ،دار اسامة للنشر و التوزيع، الاردن.